الثلاثاء

البرادعي المنتظر



ظهرت في الآونة الاخيرة على الساحة السياسية المصرية مجموعات معارضة من تلك المجموعات التي تعبر عن مفهموم رد الفعل الرافض للمنظومة المصرية الحاكمة تعمل تحت شعار البرادعي رئيسا لمصر ، تعمل هذه النخب المتمترسة خلف أجهزة الكمبيوتر على أمل إحداث إزاحة اجتماعية فوقية تحلم بإزالة شكل الإستغلال والظلم والقمع في مصر من خلال النداء بجعل البرادعي رئيسا للجمهورية.
الحالة في مصر: من يحكم؟
الرئيس الذي تقلد السلطة في مصر هو حسني مبارك خلفا للسادات وخلفا لحقبة سياسية أفرزت شكلا جديدا للسلطة في مصر ما بين تنمية لدور الحركات الدينية لتجابه المد الشيوعي والحنين الناصري الاشتراكي اللون ،جاء مبارك والوضع السياسي الاقتصادي في مصر يتأرجح بين بيروقراطية الدولة الرجعية وانفتاح على السياسات النيوليبرالية التي اعتبرها البعض منقذا لجوهر التناقض في العلاقات الانتاجية للرأسمالية وسياسات توافقية لمحاولة استيعاب سخط شعبي من حقبة السادات، ولكن من هو الحاكم في مصر هل هو مبارك وسياسته الرئاسية ، بالطبع لا إن الحاكم الحقيقي في مصر هو الحزب الوطني الحاكم المتغلغل في مؤسسات الدولة المصابة بالفساد حتى النخاع وتمثل هذه الدولة آلة حكم لصالح كبار الملاكين العقاريين والصناعيين والمستثمرين ووكلاء رأس المال الاجنبي وضباط الجيش والمخابرات من رتبة عميد فما فوق.
وطبعا ككل الدول العربية تحكم السفارة الأمريكية سياسيا من خلف الستار ومن خلال القنوات المعهودة كالاستثمارات التي ينال المتنفذون في النظام، وتسير الحكومات كما تشاء الإدارة في الخارجية والبنتاغون والسي أي إيه وعلى الصعيد الاقتصادي فوصفات البنك الدولي النيو لبرالية وصندوق النقد الدولي أيضا هي التي تساهم في تكوين ملامح النظام الإقتصادي الرأسمالي المجرم، وتسعى للحفاظ على امتيازات الشركات العابرة للقارات من خلال ضرب المشاريع الوطنية وخصخصتها وإيجاد بديل غبي للعدالة الإجتماعية كمشاريع تدعي الخيرية وهي قائمة على أساس مذهب تسريب الثروة من الأغنياء بصورة لاتتناقض مع ازدياد درجة غناهم.
وفي مصر تحديدا يمثل مبارك وجها للنظام المصري ومحركا جوهريا فيه ورمزا لفساده وعمالته للأمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني.
البرادعي الآن...لماذا؟
منذ أن توقف البرادعي عن الظهور على شاشات الفضائيات العربية والعالمية كرئيس لوكالة الطاقة الذرية ويصرح عن نتائج التحقيق في تفتيش العراق ومحاربة كوريا الديموقراطية وايران والسكوت التام على مفاعل ديمونا الصهيوني، منذ أن عاد الى مصر حتى استقبلته ثلة من رواد الحركات والتقليعات السياسية الجديدة وطالبوا بجعله رئيسا، من باب حضوره الاعلامي القوي والكاريزما التي خلقتها له شاشات الفضائيات في الأوقات الحالكة والتنبؤات بشن حرب على العراق وحراك نقاشي للصالونات السياسية العربية.
ويعبر هذا الاستقبال الحافل بآمل التغيير وقمة اليأس البالغ من خلال استبدال شخص على هرم منظومة فاسدة بشخص آخر يعبر عن ضعف شديد وتأصل للعجز بين هؤلاء،مرده هو الفشل الذريع التي منيت به الحركات السياسية والحزبية في مصر وعدم التفاف الجماهير حولها وعلى سبيل المثال لا الحصر الحزب الناصري وهو من أكبر الأحزاب المعارضة لكنه لم يستطع أن ينظم بين صفوفه أو حتى يجمع أنصارا من شعب ما زال يرى عبد الناصر الزعيم الشعبي الاوحد، وكنتيجة واقعية وموضوعية وتخاذل الحركات السياسية البرامجية أيضا ظهر البرادعيون الجدد،والمحزن في الأمر هو المصريون الذين صدقوا امكانية التغيير الفوقي فهم يعانون أيضا من دجل المنظومة السياسية وفشل برامجها الحركية فكان الأمل هو الغريق الذي يتعلق بقشة مثل قشة البرادعي،الحل في مصر لايكون باستبدال مبارك بالبرادعي ولا حتى بعبد الناصر نفسه لوعاد الى الحياة.
سيواجه البرادعي الشريف العفيف المناضل الوطني ان سلمنا بنزاهته السياسية وتناسينا سجله الحافل في خدمة الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية وتقديم التقارير التوافقية بين قوى مجلس الامن من المحافظين المتصهينين في أمريكا وبريطانيا وبين الوسطيين الأروبيين كفرنسا واسبانيا، سيواجه البرادعي اذا فكر أن يكون بديلا للفساد المصري الرسمي منظومة شرسة ومجرمة لن تتونى عن الفتك بأية معارضة ضد النظام ومهما بلغت قوتها فإنها لن تكون سوى "عركة في خمارة" كما قال السادات سابقا عن مظاهرات الخبز المصرية.
وسيواجه أيضا اذا كان سيواجه بالأساس السفارة الأمريكية وأذرع السي اي ايه المتأصلة في المنطقة تضع من تشاء وتعزل من تشاء على رأس الأنظمة الفاسدة والعميلة،وبشتى الطرق بين تصفيته السياسية أو الأخلاقية أو كلاهما أو إحداهما منفردة أو حتى تصفيته الجسدية، إن العقلية الرجعية العربية لن تتغير فالحل الذي يكون بشخص يهبط عليهم بالبراشوت حاملا بيسراه العصا السحرية ليغير كل شيء من خلال المنظومة الفاسدة نفسها انما يدل على فكرة الحق على مبارك لا على برنامج متكامل أعمدته المتنفذون في الحزب والدولة ومؤسساتها العسكرية والمدنية والمصالح الخارجية التي رسخت ممثليها في النظام الاقتصادي،لا أحد يستطيع أن ينكر كم سيء مبارك على مصر وعلى كل البشرية أصلا ولكن الأسوأ منه هو نظامه العميل الذي زرع جذوره في الدولة بطريقة يستحيل الخلاص منها بشكل اصلاحي او ما يسمى ديموقراطية صندوق الانتخابات.
التغيير!!
ان التغيير في مصر لم يكون سوى بتحطيم وتكسير واستبدال العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الموجودة بمنظومة أخرى يجب أن تكون ذات برنامج وطني كامل وشامل يبدأ ببناء جديد في الدولة المصرية وفي القطاعات الصناعية والاقتصادية سواء التجارية منها او الانتاجية، ناهيك عن استبدال النخب السياسية بمشروع وطني خالص بغض النظر عن شكله السلطوي أكان ديموقراطيا يشمل تداولا للسلطة أو ديكتاتوريا لكن يجب أن يكون وطنياً خالصاً، لا يختصر بشخص البرادعي ولا غيره،ان التغيير لايكون سوى باقتلاع الحزب الوطني وأزلامه ومحاسيبه من جميع دوائر القرار المركزية في مصر،التغيير لا يكون سوى بالقضاء على المنظومة الفاسدة بشكل نهائي لا باصلاح دستوري والغاء بعض القوانين المؤقتة وتداول السلطة الرئاسية وهذا هو المستحيل بعينه.
إن تغير الرؤساء في الدول العربية لايكون الا من خلال المخابرات الامريكية  بطرق عديدة كالانقلابات العسكرية العلنية والسرية منها فهي التي تحكم من خلال شخوص وان وصل البرادعي للسلطة في مصر فإنه لن يصل إلا من خلال منظومة غبية وضعتها الإدارة الأمريكية لتكون راعية وحامية للكيان الصهيوني لا تتنازل عن معاهدة كامب ديفيد ابدا ولاتتخلى عن الشراكة الاستراتيجية مع البنك الدولي.
حركات التغيير في مصر:
ظهرت حركات مثل كفاية وشباب السادس من ابريل وظهر تجمع لأحزاب المعارضة الكبرى مثل التجمع والوفد والحزب الناصري وغيره،وستظهر العديد من الحركات الشعبية مثل الاضرابات المجيدة لعمال غزل المحلة وحراكات قد تحدث تغيرات أو تضطر المنظومة الحاكمة لخلق تغييرات لكنها مهما كان حجمها ستبقى شكلية، وكان النظام المصري يجد تخريجات متعددة بحسب قوة هذه الحركة فقد أذعن وبالقوة للإضرابات العمالية، وامتص غضب بعض الأحزاب وشغل الشعب المصري قاطبة بالوطنية الكروية ضد الهمجية الجزائرية من خلال قنوات الرياضة التي لم تتوقف عن شن حملات ضد الجزائر شعبا وحكومة واعلاما ومنتخبا كرويا ليصبح الغضب الشعبي موجها ضد الجزائر لا ضد الفقر والبطالة والإجرام في أقسام الشرطة المصرية ، لاضد سقوط المقطم على العشوائيات.
يوجه النظام دائما الطاقات الرافضة نحو أماكن أكثر سخونة فحادثة نجع حماد والفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط لاتخدم سوى النظام المصري وتدعم استقرار الجو العام لدى الشعب الذي ان لم يكترث بالفتنة سيكترث بكرة القدم، حيث يطل جمال مبارك في اتصال مع قناة مودرن سبورت ويصرح ان كرامة المصريين فوق كل اعتبار ، ولكن هذا الجمال كان مختبئا عندما امتهن رجال الشرطة كرامة واعراض المصريين.
وحتى لو توحدت هذه الطاقات ضد النظام بأي شكل من الأشكال فالمراوغة والخداع سيكون أسلوب تعامل طويل المدى مع هذا الغضب الموجه حتى يتم تفتيته أو تخديره بغية القضاء عليه
ان البرادعي برغم كل الهالة التي بدأ مناصروه بوضعها وشرعوا في تنظيم التجمعات من أجله لا يغدو سوى أن يكون حالة تنفيسية تخفف من الشعور الساخط على النظام وعلى كذبات أحمد نظيف على مجلس الشعب المصري الذي لايستحق هذا الأسم بل يجب أن يسمى بالحلقة الصوفية لما يحصل فيه من دروشة وتخدير ونصب واحتيال وترسخ في حركات الجلاجلا.

الحل لم ولن يكون البرادعي رئيسا...بل أن تكون مصر شعباً حراً وذو سيادة وطنية مطلقة لا أن تكون جمهورية مصر العربية لصاحبها الحزب الوطني الحاكم وشركاه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق