الخميس

الحركة الإقليمية الضيقة وجه جديد للفاشية


تكاثرت في الآونة الأخيرة المقالات ووجهات النظر والآراء السياسية التي تنادي بتحديد من هو الأردني ومن هو غير الأردني بصور متفاوتة فمنهم من طالب بشهادة ميلاد عثمانية في حدود القطر الأردني من أجل تثبيت أردنيته ومنهم من اعتبر أن عام 1910 هو المفصل للأردنيين من غيرهم، بل إن البعض ذهب لأردنة الحارث الرابع وبعض المهندسين الرومانيين وقال إن الأردنيين القدماء هم كسروا أساطيل كليوبترا!!!!

النقطة لا تكمن في الانتقاص من الموروث الحضاري الأردني أو القائم في الحدود الحالية للأردن، لكن هؤلاء الإقليميين يبحثون عن أي لمحة تاريخية تثبت تفوقاً جذرياً على الكتل الاجتماعية الأخرى، فالتكوين السياسي والاجتماعي الأردني الحديث قد بدأ منذ أواخر القرن الثامن عشر بالهجرات الشركسية التي يعتبرها البعض مكوناً أصيلاً في المجتمع الأردني بينما المعروف أن التاريخ الشركسي الضارب في العمق في التاريخ لا يعود جغرافيا إلى منطقتنا بل إلى القوقاز وجمهوريات القبردين ومناطق قبائل الايديجا، ولكن في نفس الوقت يعتبر الشركسي والحارث الرابع …أردنيين، مع أن التكوين الأردني كما أسلفت حديث العهد، المشكلة تكمن في اعتبار وهؤلاء العنصريين انه بسبب وجود كتلة من الأردنيين من أصول فلسطينية يجعل للتاريخ الفلسطيني المتواصل إلى حد ما نقطة تميز حضاري عنهم مما يجعل الأردنيين أقل مرتبة ، هذا التفكير الخاطئ تماماً ولد فكراً عنصريا جعله يتشدق بكل ما هو محصور في حدود الجغرافيا الضيق بتقسيمات سايكس بيكو، علماً أن التواصل التاريخي الجغرافي الوحيد في منطقتنا هو في مصر فقط وليس في أي بلد أخرى بسبب التكوين الجغرافي لمصر على طول النيل بدأً من النوبة جنوبا انتهاء بالبحر المتوسط شمالاً والبحر الأحمر شرقاً والصحراء الليبية غرباً، فانحصرت الكتلة البشرية في هذه الحدود ناهيك عن وجود النيل، باقي ما تبقى تعرض لحملات تنقلات واسعة واختلاط اجتماعي متعدد ولكن ما ميز فلسطين هو قدسيتها الدينية لدى المسلمين والمسيحيين على السواء فهاجرت إليها العديد من الهجرات الواسعة ومنها الأوروبية والروسية تحديدا في نهايات القرن الثامن عشر والحركات التبشيرية التي فتحت المعاهد والمراكز التعليمية للمسيحيين والتحق بها المسلمون وازدهرت الحركة التعليمية في لبنان وسوريا وفلسطين التي يغلب على سكانها التمدن أو المجتمعات الزراعية المتخلفة اجتماعياً.

بينما كان التطور الحضاري في عمان والمدن الأردنية في بدايته بسبب ازدهار الحركة التجارية، التأخر التنموي الاجتماعي الحاصل في المدن المحصورة في شرق الأردن لا يعيبها ولا ينقص من قدرها كمدينة ذات تاريخ عريق والاكتشافات الحضارية الأثرية الموجودة فيها وفي الأردن تؤكد على المكانة التاريخية التي احتلتها في المنطقة.

لكن الشعور بالانتقاص من أسبقية الفلسطينيين في التطور التاريخي الحديث هذا الشعور بحد ذاته مسيء للأردن، ومسيء لتاريخها وتراثها وحضارتها واعتماد المقاييس المدنية كمقياس للتطور هو إجحاف بحق مجتمعات كاملة كالمجتمعات البدوية والزراعية والمختلطة بينهما ، ومن التعهير الاجتماعي هو إطلاق مصطلحات غريبة اجتماعياً وغبية معرفياً كمتحد البدوي الفلاح ؟؟؟؟ التي أطلقها عميد العنصريين الأردنيين على فترة " تكون الشعب الأردني الحديث" برغم التناقض الاجتماعي الفظيع بين البدوي والفلاح إلا أن المرض النفسي لبعض العنصريين قد جمع بينهما،لا يمكن أن يكون الشاعر حبيب الزيودي مثل توفيق زياد ولكن في نفس الوقت يستحيل أن يكون معين بسيسو مثل الشعراء النبطيين والبدو الذين كتبوا قصائد عظيمة ترقى إلى أن تكون ملاحم فروسية وشهامة.

لكن الفاشيين الجدد بانتقاصهم من ذاتهم وخلق فكرة فاشية ناتجة عن تفكيرهم المريض يكونون بحق يسيئون إلى الأردن مثلما اعتادوا الإساءة لفلسطين.

وحتى الأردنيين من أصل فلسطيني ممن يرون أنفسهم متميزين على الأردنيين من أصول أردنية هم أيضا يسيئون لأنفسهم قبل الإساءة للآخرين فمهما بلغوا من تقدم حضاري متمدن أيضا لا يجعلهم أصحاب موروث حضاري أعلى أو أرقى من موروث حضاري بدوي ومجتمعات تزخر بقصص وحركة تاريخية مهمة أثرت في مسارات التكوين التاريخي، من ناحية أخرى ومن وجهة نظر علمية يعتبر التقسيم الطولي للمجتمع خطيئة لا تغتفر ولا تبرر إلا بنوعية التفكير الفاشي المتخلف والقاصر عن النظر إلى أبعد من أنفه، كالبيانات التي صدرت عن مجموعتين تسمي نفسها بنفس الاسم الحركة الوطنية الأردنية وهي أبعد ما تكون عن الحراك الوطني الأردني الذي اعتمد على مقوم رئيسي وهو الوحدة الوطنية في مواجهة الاستعمار بشكله القديم ومواجهة الأشكال الجديدة له.

المأساة تكمن بوجود منابر إعلامية لهذه النظريات الفاشية الجديدة وجب إسكاتها لا بقانون رجعي ولا بقانون قمعي بل بمواجهة وطنية حقيقية لهؤلاء العنصريين الفاشست من الطرفين الأردني والفلسطيني.

ولا يسعني في النهاية إلا أن أعلن براءتي التامة من هؤلاء الفاشست مرة وإلى الأبد وكما قال عميد إحدى هذه الحركات ناهض حتر:"أنا في خندق وأنتم في خندق آخر" ونقول نحن أيضاً.....أكيد أنّا لا يجمعنا خندق واحد مع الفاشية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق